فصل: فتوى إباحة فوائد المصارف من د. طنطاوي إلى مجمع البحوث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: فإن قلت: هلا قيل بحرب الله ورسوله؟

قلت: كان هذا أبلغ لأن المعنى: فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين؟

قلنا: هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل، كما جاء في الخبر «من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة» وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله» وقد جعل كثير من المفسرين والفقهاء قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] أصلًا في قطع الطريق من المسلمين، فثبت أن ذكر هذا النوع من التهديد مع المسلمين وارد في كتاب الله وفي سنّة رسوله.
إذا عرفت هذا فنقول: في الجواب عن السؤال المذكور وجهان الأول: المراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب والثاني: المراد نفس الحرب وفيه تفصيل، فنقول: الإصرار على عمل الربا إن كان من شخص وقدر الإمام عليه قبض عليه وأجرى فيه حكم الله من التعزير والحبس إلى أن تظهر منه التوبة، وإن وقع ممن يكون له عسكر وشوكة، حاربه الإمام كما يحارب الفئة الباغية وكما حارب أبو بكر رضي الله عنه ما نعي الزكاة، وكذا القوم لو اجتمعوا على ترك الأذان، وترك دفن الموتى، فإنه يفعل بهم ما ذكرناه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من عامل بالربا يستتاب فإن تاب وإلا ضُرِبت عنقه.
والقول الثاني: في هذه الآية أن قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ} [البقرة: 279] خطاب للكفار، وأن معنى الآية: {وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الربا إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] معترفين بتحريم الربا {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} أي فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} ومن ذهب إلى هذا القول قال: إن فيه دليلًا على أن من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام كان كافرًا، كما لو كفر بجميع شرائعه.
ثم قال تعالى: {وَإِن تُبتُمْ} والمعنى على القول الأول تبتم من معاملة الربا، وعلى القول الثاني من استحلال الربا {فَلَكُمْ رُءُوسُ أموالكم لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} أي لا تظلمون الغريم بطلب الزيادة على رأس المال، ولا تظلمون أي بنقصان رأس المال. اهـ.

.سؤال عن فوائد البنوك:

يقول السائل:
كنت موظفًا أتقاضى راتبًا متوسطًا، وكنت أوفر منه مبلغًا أودعه البنك وأتقاضى عليه فائدة، فهل يصح لي ذلك أم لا، علمًا بأن المرحوم الشيخ شلتوت أفتى بجواز هذه الفوائد وسألت بعض العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها. ومما أذكره أني كنت أدفع زكاة مالي، ولكن فائدة البنك كانت تزيد علن المبلغ الذي أخرجه.
وإن كانت الفائدة غير جائزة فماذا أفعل بها؟
الجواب: أن الفوائد التي يأخذها المودع من البنك، هي ربا محرم، فالربا: هي كل زيادة مشروطة على رأس المال. أي ما أخذ بغير تجارة ولا تعب، زيادة على رأس المال فهو ربا. ولهذا يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 279].
فالتوبة معناها هنا أن يبقى للإنسان رأس ماله، وما زاد على ذلك فهو ربا. والفوائد الزائدة على رأس المال، جاءت بغير مشاركة ولا مخاطرة ولا مضاربة ولا شيء من المتاجرة.. فهذا هو الربا المحرم. وشيخنا الشيخ شلتوت لم يبح الفوائد الربوية فيما أعلم، وإنما قال: إذا وجدت ضرورة- سواء كانت ضرورة فردية أم ضرورة اجتماعية- يمكن عندها أن تباح الفوائد، وتوسع في معنى الضرورة أكثر مما ينبغي. وهذا التوسع لا نوافقه عليه رحمه الله.
وإنما الذي أفتى به الشيخ شلتوت هو صندوق التوفير، وهو شيء آخر غير فوائد البنوك. وهذا أيضًا لم نوافقه عليه.
فالإسلام، لا يبيح للإنسان أن يضع رأس ماله ويأخذ ربحًا محددًا عليه، فإنه إن كان شريكًا حقًا، فيجب أن ينال نصيبه في الربح وفي الخسارة معًا، أيًا كان الربح، وأيًا كانت الخسارة.
فإذا كان الربح قليلًا شارك في القليل، وإذا كان كثيرًا شارك في الكثير، وإذا لم يكن ربح حرم منه، وإذا كانت خسارة تحمل نصيبه منها، وهذا معنى المشاركة في تحمل المسئولية.
أما ضمان الربح المحدد، سواء كان هناك ربح أو لم يكن، بل قد يكون الربح أحيانًا مبالغ طائلة تصل إلى 80% أو 90% وهو لا ينال إلا نسبة مئوية بسيطة لا تتجاوز 5% أو 6% أو قد تكون هناك خسارة فادحة، وهو لا يشارك في تلك الخسارة... وهذا غير طريق الإسلام... وإن أفتى بذلك الشيخ شلتوت رحمه الله وغفر له.
فالأخ الذي يسأل عن فوائد البنوك: هل يأخذها أم لا؟ أجيبه: بأن فوائد البنوك لا تحل له، ولا يجوز أخذها. ولا يجزيه أن يزكي عن ماله الذي وضعه في البنك، فإن هذه الفائدة حرام، وليست ملكًا له، ولا للبنك نفسه، في هذه الحالة... ماذا يصنع بها؟
أقول: إن الحرام لا يملك، ولهذا يجب التصدق به، كما قال المحققون من العلماء، بعض الورعين قالوا بعدم جواز أخذه ولو للتصدق.. عليه أن يتركه أو يرميه في البحر، ولا يجوز أن يتصدق بخبيث.
ولكن هذا يخالف القواعدة الشرعية في النهي عن إضاعة المال وعدم انتفاع أحد به. لابد أن ينتفع به أحد.. إذن ما دام هو ليس ملكًا له، جاز له أخذه والتصدق به على الفقراء والمساكين، أو يتبرع به لمشروع خيري، أو غير ذلك مما يرى المودع أنه في صالح الإسلام والمسلمين.. ذلك أن المال الحرام كما قدمت ليس ملكًا لأحد، فالفائدة ليست ملكًا للبنك ولا للمودع، وإنما تكون ملكًا للمصلحة العامة، وهذا هو الشأن في كل مال حرام، لا ينفعه أن تزكى عنه، فإن الزكاة لا تطهر المال الحرام، وإنما الذي يطهره هو الخروج منه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبل صدقة من غلول» رواه مسلم. والغلول هو المال الذي يغله الإنسان ويخونه من المال العام. لا يقبل الله الصدقة من هذا المال لأنه ليس ملكًا لمن هو في يده.
وهل يترك تلك الفوائد للبنك، لأنها محرمة عليه؟
لا يتركها، لأن هذا يقوي البنك الذي يتعامل بالربا، ولا يأخذها لنفسه، وإنما يأخذها ويتصدق بها في أي سبيل من سبل الخير.
قد يقول البعض: إن المودع معرض للخسارة إذا خسر البنك وأعلن إفلاسه مثلا، لظرف من الظروف، أو لسبب من الأسباب.
وأقول لمثل هذا بأن تلك الخسارة أو ذلك الإفلاس لا يبطل القاعدة، ولو خسر المودع نتيجة ذلك الإفلاس، لأن هذا بمثابة الشذوذ الذي يثبت القاعدة، لأن لكل قاعدة شواذ، والحكم في الشرائع الإلهية- والقوانين الوضعية أيضًا- لا يعتمد على الأمور الشاذة والنادرة.. فإن الجميع متفق على أن النادر لا حكم له، وللأكثر حكم الكل. فواقعة معينة لا ينبغي أن تبطل القواعد الكلية.
القاعدة الكلية هي أن الذي يدفع ماله بالربا يستفيد ولا يخسر، فإذا خسر مرة من المرات فهذا شذوذ، والشذوذ لا يقام على أساسه حكم.
وقد يعترض سائل فيقول: ولكن البنك يتاجر بتلك الأموال المودعة فيه، فلماذا لا آخذ من أرباحه؟ وأقول: نعم إن البنك يتاجر بتلك الأموال المودعة فيه. ولكن هل دخل المودع معه في عملية تجارية؟ طبعًا لا.
لو دخل معه شريكًا من أول الأمر، وكان العقد بينهما على هذا الأساس، وخسر البنك فتحمل المودع معه الخسارة، عندئذ يكون الاعتراض في محله، ولكن الواقع أنه حينما أفلس البنك وخسر، أصبح المودعون يطالبون بأموالهم، والبنك لا ينكر عليهم ذلك، بل قد يدفع لهم أموالهم على أقساط إن كانت كثيرة، أو دفعة واحدة إن كانت قليلة.. على أي حال، فإن المودعين لا يعتبرون أنفسهم مسئولين ولا مشاركين في خسارة البنك، بل يطالبون بأموالهم كاملة غير منقوصة. اهـ.

.بحوث مهمة عن فوائد البنوك:

.فوائد البنوك سجالات التحريم والإباحة:

.فتوى إباحة فوائد المصارف من د. طنطاوي إلى مجمع البحوث:

أ. محمد البنا- أ. وسام فؤاد 20/ 12/ 2002:
في شهر أكتوبر من العام 2002 تجددت قضية الحكم الشرعي الخاص بفوائد المصارف، بعد أن كانت قد خمدت نارها إثر تتالي ردود العلماء الشرعيين وعلماء الاقتصاد الإسلامي على الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي، ترده إلى الحكم الشرعي في هذه القضية. وقد بدا آنذاك، ومع تتالي ردود العلماء على أطروحة أ.د. محمد سيد طنطاوي، ومع تزايد كثافة وثقل وحدة هذه الردود- أن الدكتور محمد سيد طنطاوي قد تراجع عن هذه الفتوى، بعد أن كان قد أصدر كتابًا يحوي نظرة أكثر عمقًا في تناوله لها، وهو الكتاب الشهير: معاملات البنوك وأحكامها الشرعية، وكانت مظنة رجوعه عن رأيه في تصريحه: من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر.
لكن تجددت القضية في إطار ظرفي مختلف، حيث أرسل الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي عضو مجمع البحوث الإسلامية وزير الاقتصاد الأسبق رئيس مجلس إدارة بنك الشركة المصرفية العربية الدولية كتابا بتاريخ 22/ 10/ 2002 إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، يعيد فيه السؤال عن حكم استثمار الأموال في المصارف التي تقوم على تحديد الربح مقدمًا.
وقد أحال فضيلة الإمام الأكبر الكتاب ومرفقه للعرض على مجلس مجمع البحوث الإسلامية. وقد انعقدت جلسة مجلس المجمع في يوم الخميس 25 من شعبان سنة 1423ه- الموافق 31 من أكتوبر سنة 2002م، وعرض عليه الموضوع المذكور. وبعد مناقشات الأعضاء ودراستهم قرر مجلس المجمع في جلسة الخميس 23 من رمضان 1423ه- الموافق 28 من نوفمبر 2002م: الموافقة على أن استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدما حلال شرعا ولا بأس به. وقد صدرت الفتوى ممهورة بتوقيع الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي من فتوى مجمع البحوث إلى تأصيل شيخ الأزهر.
بالرغم من أن الفتوى محل التناول هي الفتوى التي أصدرتها الجلسة المذكورة لمجمع البحوث الإسلامية، وبالرغم من أن الدكتور محمد سيد طنطاوي أحد أعضاء هذا المجمع، فإن الفتوى لم تكن من الاتساع والتفصيل بحيث أحاطت بكل الأدلة الأساسية التي توفرت لدى المنافحين عن حكم إباحة فوائد المصارف.
ومن هنا كان الكتاب الذي أصدره أ.د. محمد سيد طنطاوي يمثل مرجعية للفتوى محل التناول، بما يمثله من تناول أعمق، وجمع أكثر شمولًا للأدلة التي تناصر هذا الرأي. ولهذا رأينا أنه من الأفضل الاستناد لتحليل الأدلة التي أوردها أ.د. محمد سيد طنطاوي في كتابه الشهير: معاملات البنوك وأحكامها الشرعية، في إطار مناقشة هذه الرؤية، وعرض استجابات العلماء لها.
ويرى الشيخ محمد سيد طنطاوي أنه لا مانع من التعامل مع البنوك أو المصارف التي تحدد الربح مقدمًا فيقول: إننا لا نرى نصا شرعيا ولا قياسًا نطمئن إليه يمنع من تحديد الربح مقدمًا، ما دام هذا التحديد قد تم باختيار الطرفين ورضاهما المشروع، ومع هذا من أراد أن يتعامل مع البنوك التي تحدد الأرباح مقدمًا فله ذلك، ولا حرج عليه شرعا، إذ المقياس في الحرمة والحل ليس التحديد أو عدم التحديد للربح، وإنما المقياس هو خلو المعاملات من الغش والخداع والربا والظلم والاستغلال وما يشبه ذلك من الرذائل التي حرمتها شريعة الإسلام.
أدلته على ما ذهب إليه:
واستدل على ما ذهب إليه بعدد من الأدلة، نجملها فيما يأتي:
1- إن مسألة التحديد للربح مقدمًا أو عدم التحديد ليست من العقائد، أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها، وإنما هي من المعاملات الاقتصادية التي تتوقف على تراضي الطرفين.
2- إن الشريعة الإسلامية تقوم على رعاية مصالح الناس في كل زمان ومكان، وقد تبدو هذه الرعاية في ظاهرها مخالفة لبعض النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد في ذلك بحديث التسعير الذي رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الناس يا رسول الله غلا السعر فسعّر لنا فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم أو مال».
ثم قال بعد الحديث: فبالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجبهم إلى ما طلبوه منه من تسعير السلع- إذ الأصل عدم التسعير- نجد كثيرًا من الفقهاء أجازوا لولي الأمر تسعير السلع إذا غالى التجار في الأسعار، أو احتكروا ما لا غنى للناس عنه.
وخرج فضيلته بقياس غريب على ما تقدم فقال: وقياسًا على ما تقدم فإن لولي الأمر إذا رأى- بعد استشارة أهل العلم والخبرة- أن مصلحة الناس تقتضي أن تحدد البنوك الأرباح مقدمًا لمن يتعاملون معها، فله أن يكلفها بذلك؛ رعاية لمصالح الناس، وحفظًا لأموالهم وحقوقهم من الضياع، ومنعًا للنزاع والخصام بين البنوك والمتعاملين معها، وهي مقاصد شرعية معتبرة.
3- لا مانع في الشرع من أن يقوم البنك المستثمِر للمال بتحديد ربح معين مقدما في عقد المضاربة الذي يكون بينه وبين صاحب المال الذي يضعه في البنك بنيةٍ ويقصد الاستثمار.
4- إن البنك لم يحدد الربح مقدما إلا بعد دراسة مستفيضة ودقيقة لأحوال السوق العالمية وبتعليمات وتوجيهات من البنك المركزي، الذي يعد بمنزلة الحَكَم بين البنوك والمتعاملين معها.
5- تحديد الربح مقدما فيه منفعة لصاحب المال، ولصاحب العمل: لصاحب المال؛ لأنه يعرفه حقه معرفة خالية من الجهالة.. ولصاحب العمل؛ لأنه يحمله على أن يجدّ ويجتهد في عمله.
6- إن هذا التحديد للربح مقدما لا يتعارض مع احتمال الخسارة من جانب المستثمر، وهو البنك أو غيره، لأنه من المعروف أن الأعمال التجارية المتنوعة إن خسر صاحبها في جانب ربح من جوانب أخرى.
7- خراب الذمم مما يجعل صاحب المال تحت رحمة صاحب العمل المستثمر للمال، وهو البنك أو غيره، والذي قد يكون غير أمين فيقول مثلا: ما ربحت شيئا، وقد ربح الكثير؛ مما يوقع في الظلم الذي نهت عنه الشريعة.
8- كما تدخل الحكام والفقهاء في تضمين الصناع لِما يهلك تحت أيديهم بسبب إهمالهم، فلولي الأمر أن يتدخل في عقود المضاربة بتحديد نسبة الربح مقدما وأن يكون رأس المال مضمونا، وهذا اللون يندرج تحت باب المصالح المرسلة.
9- لم يقل أحد من الأئمة: إن تحديد الربح مقدما في عقود المضاربة يجعله معاملة ربوية يحرم فيها الربح الناشئ عن العمل في المال المستثمر.
هذه هي الأدلة التي استند فضيلة الدكتور طنطاوي إليها في فتواه بإباحة فوائد البنوك والتي أسماها أرباحا.
مناقشة أدلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي:
محمد البنا 20/ 12/ 2002:
سبق أن ذكرنا الظروف التي دعتنا إلى الوقوف على ورقة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي.. حيث إنها وفرت الأساس الذي استندت إليه جلسة المجمع في الخروج بفتواها المنصوص عليها سالفًا.
ولما كانت معالجة الدكتور محمد سيد طنطاوي أشمل وأوفر دليلًا، كان من الأفضل التعاطي معها هي؛ إذ في تناولها تناول لفتوى الجلسة المذكورة لمجمع البحوث الإسلامية. ولنبدأ بفحص الأدلة التي وفرها الدكتور محمد سيد طنطاوي.
الدليل الأول:
المقولة الأولى لفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي هي: إن مسألة تحديد الربح مقدمًا أو عدم التحديد ليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها، وإنما هي من المعاملات الاقتصادية التي تتوقف على تراضي الطرفين.
إذا كانت مسألة تحديد الربح مقدمًا من المعاملات التي يجوز فيها التغيير والتبديل؛ فلابد من تحديد بعض النقاط أولا من خلال هذا الدليل:
المقصود بتحديد الربح مقدمًا.
المعاملات التي يجوز فيها التغيير والتبديل.
تراضي الطرفين.
أ المقصود بتحديد الربح مقدمًا:
إذا كان فضيلته يقصد به التحديد الذي يتم في عقد المضاربة أو القراض؛ بمعنى أن يحدد له من الربح مثلا النصف أو الثلث أو على ما يتراضون به فنعم.
وإن كان يقصد به تحديد نسبة قدرها مثلا 10% أو 15% أو أكثر أو أقل، يأخذها من إنسان أو مصرف أو دولة أو أي أحد مع ضمان رأس المال، فهذه الزيادة على رأس المال جاءت دون مقابل ودون ضمان. فهذا المبلغ قرض جر نفعا بشرط مسبق، فهو ربا، ويؤكد هذا أن المقرض لا يعنيه فيم يستثمر المصرف ماله؟ ولكن الذي يعنيه أنه سيأخذ في السنة، أو في مدة معينة زيادة قدرها كذا، خسر ماله أم ربح، وتحديد الربح بهذه الكيفية ربا.
وهذه الزيادة- الناتجة عن تحديد الربح مقدمًا- شرط بين المقرض والمستقرض، وهو ربا، والأدلة على ذلك كثيرة؛ فالله تعالى يقول في كتابه: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}. أي لكم رءوس أموالكم دون زيادة مشروطة أو غير مشروطة.
وهذا ما قاله الجصاص في أحكام القرآن: معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة؛ فكانت الزيادة بدلا من الأجل، فأبطله الله تعالى. وقال أيضًا: ربا الجاهلية هو القرض المشروط فيه الأجل وزيادة المال على المستقرض.
وحكى ابن قدامة في المغني الإجماع على تحريم الزيادة المشروطة، فقال: وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف.
وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
وهذا يدل على أن تحديد الربح مقدمًا يعني اشتراط المسلف المقرض على المستسلف المقترض زيادة على رأس المال في مدة معينة قدرها كذا من الأيام أو السنوات بنسبة كذا، وهذا هو عين الربا المحرم شرعا.
ب المعاملات التي يجوز فيها التغيير والتبديل:
وهي كل معاملة لم يرد فيها نص شرعي بإلغائها أو تحريمها، ونحن مع فضيلة الدكتور طنطاوي تماما في هذا طالما أنها لم تخرج عن روح الشريعة؛ بمعنى ألا يشوبها غش ولا ظلم ولا سرقة ولا ربا، ولا غير ذلك مما حرمه الله تعالى.
ج تراضي الطرفين:
وهو القيد الذي وضعه فضيلته لكي تصح المعاملات الاقتصادية بين الناس، ولنا أن نتساءل: هل كل معاملة يتراضى بها الطرفان يبيحها الشرع؟ هل كل عقد من العقود يرضى به الطرفان يعتبر جائزا، طالما أن الأمر ليس عقيدة أو عبادة؟ الإجابة بالطبع لا.
إن الشريعة تهتم بالصيغة أو الصورة التي يتم بها العقد وتحكم عليه، وللدكتور يوسف القرضاوي مثل يوضح ذلك جيدا، وهو: أن صورة الاتفاق مهمة جدا في حكم الشرع فيقول: لو قال رجل لآخر أمام ملأ من الناس: خذ هذا المبلغ، واسمح لي أن آخذ ابنتك لأزني بها- والعياذ بالله- فقبل، وقبلت البنت لكان كل منهما مرتكبا منكرا من أشنع المنكرات، ولو قال له: زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهرا فقبل، وقبلت البنت لكان كل من الثلاثة محسنا.
والذي يتدبر تعريفات الفقهاء والعلماء للربا يوقن أن التراضي بالزيادة على رأس المال لا يغير في حقيقة أنه ربا، فيقول الجصاص: والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به. فهل التراضي مع مصرف من البنوك بوضع مبلغ معين لديه مقابل فائدة أو عائد معين في الشهر أو العام زيادة على رأس المال يخرج عن هذا؟
وإذا كان فضيلته يخصص هذا التراضي بحدود شريعة الله تعالى التي شرعها سبحانه لرعاية مصالح الناس فهل الشريعة تبيح هذا النوع من التعامل حتى مع التراضي؟ ويجدر بنا أن نذكر هنا أن فضيلته ذكر نص الإمام الجصاص في كتابه معاملات البنوك. كنص من النصوص التي نقلها من كتاب الربا والمعاملات في الإسلام للشيخ محمد رشيد رضا كدليل على أن هذا هو ربا الجاهلية.
أليس معنى هذا النص هو القرض أو الاقتراض إلى أجل معين بزيادة معينة على رأس المال المقترض بتراضي الطرفين؟ وهذا هو ما تفعله البنوك الربوية.
الدليل الثاني:
قياسه بجواز تحديد الربح مقدمًا بأمر من ولي الأمر على ما قاله الفقهاء في التسعير، وذلك إذا اقتضت مصلحة الناس هذا؛ وذلك رعاية لمصالح الناس، وحفظا لأموالهم وحقوقهم، ومنعا للنزاع والخصام بين البنوك والمتعاملين معها.
لقد بدأ فضيلته هذا الدليل بمقولة لا يجادل فيها أحد، وهي أن الشريعة الإسلامية تقوم على رعاية مصالح الناس في كل زمان ومكان. وقد تبدو هذه الرعاية في ظاهرها مخالفة لبعض النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد في ذلك بحديث التسعير، حيث لم يسعر الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن بعض الفقهاء رعاية لمصالح الناس ودرءًا لمفسدة جشع التجار أباحوا التسعير، وهذا كلام جيد، ولكن أن يصل إلى فرض نسبة معينة من الربح كعائد على الأموال عن طريق الحاكم قياسا على كلام الفقهاء هذا درءا للظلم والمفسدة، فالقياس هذا لا ينقاس، لأن المقيس عليه ليس نصا من القرآن والسنة، فالقياس الذي يتوسعون فيه أحيانا مقيد بأن يكون المقيس عليه نصا من الشارع، أي من الوحي كتابا أو سنة، أما أن يقاس على مقيس؛ يعني أن تأتي على أمر أجزناه قياسا على شبيهه بجامع العلة بينهما، فتأتي على أمر آخر لا يجتمع مع الأصل المقيس عليه في علته. ولكن له شبه من بعض الوجوه بالمقيس فنجعل هذا المقيس أصلا، ونقيس عليه مقيسًا آخر لوجه شبه بينهما، ولا يكفي ولا يرقى إلى مستوى العلة الجامعة بين المقيس الثاني وبين المقيس عليه الأول.
ولو أجرينا أركان القياس على موضوعنا لوجدنا أن الأصل الذي اعتمد عليه فضيلته هو كلام كثير من الفقهاء في إباحة تحديد السعر رفعا للظلم، والفرع هو إباحة أن يحدد الحاكم أرباح البنوك، والعلة- كما يقول- هي رفع الظلم، والحكم هو الإباحة.
وإذا نظرنا إلى الركن الثالث، وهو العلة، لوجدناها مختلفة، يقول أستاذنا الدكتور محمد بلتاجي حسن: إننا مهما تأملنا آيات القرآن الكريم الواردة في الربا، وما يتصل بها من أحاديث السنة، وأسباب النزول؛ فلن نجد فيها ما يشير من قرب أو بعد إلى ما قام في أذهانهم من أن الله حرم ربا الجاهلية لمحض ما كان يتضمنه من استغلال الفقير وظلمه. وقد يرى العقل البشري أن هذا كان من جملة الحكم التي روعيت في التحريم، ولكن لا يستطيع أحد الجزم بأن مناط علة التحريم في منع استغلال حاجة الفقير وظلمه. ومن يراجع كتب التفسير سيجد أن الظلم الوارد في الآيات إنما هو مطلق الزيادة على الحق بصرف النظر عن حال الدائن والمدين، ورغبة كل منهما ومصلحته في الصفقة الربوية، ويحدد ما سبق مؤكدا أن الظلم يكمن في مطلق الزيادة على الحق مقابل تأجيل الزمن.
ويقول الدكتور فتحي لاشين المستشار بمحاكم مصر سابقا: إذن فعلة الربا أنه زيادة متولدة من دين، ويتميز الدين أنه ثابت في الذمة مضمون الرد بمثله.
يثبت بهذا اختلاف العلة التي قاس عليها الدكتور طنطاوي تحديد الفوائد بفعل ولي الأمر، بإجازة التسعير بفعل الفقهاء، وذلك بعلة الاستغلال والظلم، وإذا ثبت أنه لابد من اتحاد العلة في الأصل والفرع حتى يصح القياس وإلا فلا- وهذا ثابت-، فمن شروط العلة المقبولة: ألا تكون علة الحكم في الأصل المقيس عليه غير العلة التي علق عليها الحكم في الفرع؛ فلابد من أن تكون العلة في الأصل الذي ثبت حكمه بنص أو إجماع هي العلة التي علق عليها الحكم في الفرع حتى يتحقق الوصف الجامع بين الأصل والفرع، فإذا كانت علة حكم الفرع لم يعلل بها الحكم في الأصل، ولم يتعلق بها فلا يجوز القياس، وهذا هو رأي الجمهور، وحتى أصحاب الرأي يشترطون تحقق المماثلة في العلة.
وإذا ثبت هذا- وهو ثابت- استطعنا أن نحكم أن قياس الدكتور طنطاوي هنا لا يجوز، أو كما يقول الأصوليون قياس لا ينقاس.
ولأن الضرورة في مسألة التسعير تبدو واضحة وملحة؛ حيث إن الاحتكار وغلاء السلع أمر يتعلق بأقوات الناس ومعاشهم، أباح الفقهاء التسعير رفعا للضرر الذي يقع على الناس، ولكن أين الضرورة في أن يضع الإنسان ماله في مصرف من البنوك ليزداد دون تعرضه لضمان النقصان أو لمخاطر الخسارة؟